المساهمة في يوم دراسي حول موضوع “دور الفاعلين و المتدخلين في مؤازرة المنعتقين من الأمية وتعزيز جهودهم في مواصلة التعلم مدى الحياة”

المساهمة في يوم  دراسي حول موضوع “دور الفاعلين و المتدخلين في مؤازرة المنعتقين من الأمية وتعزيز جهودهم في مواصلة التعلم مدى الحياة”

في إطار تعزيز مشروع “التعلم مدى الحياة” وتطوير تجربة “الجامعة للجميع” قامت فدرالية الجامعات للجميع بالمغرب بتنظيم يوم دراسي حول موضوع “دور الفاعلين و المتدخلين في مؤازرة المنعتقين من الأمية وتعزيز جهودهم في مواصلة التعلم مدى الحياة”وذلك يوم 01 دجنبر2018  بفندق أمنية بمدينة طنجة ابتداء من الساعة التاسعة صباحا.

      وفي هذا السياق ، قدمت مداخلة في موضوع ” التعلم مدى الحياة ودوره في الارتقاء بمدارك المنعتقين من الأمية”… يمكنكم تحميلها بالنقر على موضوعها أعلاه، أو النقر على الصورة أسفله. 

001 002 003 004 005

أهمية التعلم مدى الحياة في الارتقاء بمدارك المنعتقين من الأمية

                                                     مداخلة د.عزيز بوستا

                                               أستاذ باحث في علوم التربية

                                    بالمركز الجهوي لمهن التربية والتكوين بطنجة

تقديم:

     يعتبر مفهوم “التعلم مدى الحياة”، في العقود الأخيرة، من المفاهيم الأساسية التي تحتل الصدارة في علوم التربية والعلوم المعرفية ومختلف الأدبيات المرتبطة بالتنمية المستدامة للمجتمع…

     وقبل تناول مدلولات هذا المفهوم، وأهميته بالنسبة للمنعتقين من الأمية، سنعرج قليلا على مفهوم “التعلم” لتعريفه والاطلاع على تجلياته وأنواعه.

 I  –  التعلم، تعريفه، وتجلياته، وأنواعه:

     “التعلم” هو سلسلة من التغيرات الحاصلة في سلوك الإنسان، وتشمل كافة مكونات شخصية المتعلم المعرفية والمهارية والوجدانية، والظاهرة منها والباطنة.

     وهو يحدث نتيجة تفاعل عوامل ومؤثرات داخلية وخارجية، ذات علاقة بمتطلبات مرحلة نمو ونضج المتعلم، وحاجياته، ومتطلبات مجتمعه، ووفق أهداف ومقاصد من يَصدُر عنه فعل “التعليم”…

     والتعلم يحصل بتفاعل مكونات الإنسان العضوية/الفيزيولوجية والسيكولوجية والاجتماعية، داخل محيط اجتماعي، تشكل التنشئة الاجتماعية عنصرا فعالا في بلورته وتوجيهه، ليتحول إلى فعل “تربوي” ينقل الإنسان الفرد، فور ولادته، تدريجيا، من الحالة الطبيعية/البيولوجية، إلى حالة الثقافة والحضارة والتمدن (الحالة الإنسانية)(هـ1)…

أنواع التعلم:

     والتعلم بهذا المعنى، كتغير في سلوك وشخصية المتعلم، يتخذ العديد من الأشكال والتمظهرات، أهمها:

  • التعلم إيجابي وسلبي: كما يتعلم الفرد قيما إيجابية مرتبطة بالأخلاق الفاضلة لمجتمعه، قد يتعلم أيضا قيم سلبية كالرذائل والسلوكات المستهجنة من طرف المجتمع…
  • التعلم شعوري ولاشعوري: قد يكون التعلم في جوانب منه شعوريا وقصديا حينما نُحدد له أهداف واضحة يسعى الْمُتعلم لبُلوغها، و/أو يسعى لذلك من يخطط للوضعية التعليمية/التعلمية؛ كما قد يحصل التعلم في كثير من الأحيان بفعل آليات لاشعورية، يستبطن من خلالها الشخص “المتعلم” كثيرا من المعارف والقيم، بشكل عفوي وتلقائي، لتصبح جزءا لا يتجزأ من مكتسباته الراسخة، بإيجابياتها وسلبياتها…
  • التعلم ذو بُعد فردي وجماعي: للتعلم جانب فردي مرتبط بقدرات الفرد وحاجياته العضوية والسيكولوجية، كما لا يخلو من بُعد اجتماعي، إذْ يتعلم الفرد داخل الجماعة وبواسطتها، كما أن التعلم بهذا المعنى، هو تغير حاصل في سلوك الفرد والجماعة التي ينتمي لها… وما “الشخصية القاعدية” لأي مجتمع، سوى محصلة التعلمات المشتركة بين أفراده، والتي تمثل خصوصيته الثقافية عموما.
  • التعلم قد يكون نِظاميا مُمأْسسا، وقد يكون غير نظامي وبشكل عفوي وتلقائي. كما أن القدرة على التعلم تنسحب على الأفراد والمنظمات بنفس الكيفية، لذا نجد بعض الدارسين يعيبون على كثير من مؤسساتنا ومنظماتنا عدم قابليتها لمسايرة مختلف المستجدات التي تمليها التطورات السريعة التي يشهدها عصرنا الحالي بسبب عجزها عن التعلم، تماما كما يعجز بعض الأفراد عن ذلك، حينما يتشبعون بمعتقدات وأفكار نمطية مُحبطة تحول دون إقبالهم على تعلم الجديد.

     ولعل صعوبة فهم “التعلم” وتعقد موضوعه، هو ما جعله حقلا خصبا للكثير من العلوم الإنسانية والعلوم المعرفية، والعلوم الدقيقة، كعلم النفس، وعلم الاجتماع، وعلم النفس الاجتماعي، والديداكتيك، وعلم تدبير وإدارة المنظمات، والنورولوجيا، والفيزيولوجيا، والسيميولوجيا واللسانيات، وفلسفة التربية وغيرها… فكل علم من هذه االعلوم يساهم من زاويته في تحليل وتشريح عمليات التعلم في مختلف أبعادها، من أجل فهم كيفية حصول التعلمات، ووظائفها، ومختلف محتوياتها، سواء كانت معارف أو مهارات أو قيم أو كفايات…

 

 

زمن التعلم: 

     بالنظر لخاصية التعلم الأساسية، والمتمثلة في التغيير الحاصل في سلوك الأفراد والجماعات، فإنه بذلك يتميز بالاسترسال، كما أنه ملازم للإنسان منذ ولادته إلى حين وفاته، وهو بذلك (( تعلم مدى الحياة))، بل هو شرط أساسي لاستمرار حياة الأفراد والمجتمعات، وضامن لتواصل دورات الحياة، حيث يُمرِّرُ كل جيل ثقافته للجيل اللاحق، ليستمر التراث، وتستمر حياة الأفراد والمجتمعات…

     ويبدو أن هذا المعنى ل(التعلم مدى الحياة) قديم، قدم الإنسانية، حيث نجد في كثير من الأدبيات التربوية القديمة، في مختلف الحضارات السابقة، ما يشير إلى قدرة الإنسان على التعلم مدى الحياة، من المهد إلى اللحد… فهل لهذا المفهوم اليوم، نفس المعاني المتداولة قديما؟.

II- مفهوم (التعلم مدى الحياة) اليوم:

     لعل الاهتمام المتزايد بهذا المفهوم في العقود الأخيرة، يدل على تحول كبير في معانيه ووظائفه، في سياق التحولات التي يشهدها عالمنا المعاصر؛ ولعل الشاهد على ذلك، غزارة ما نُشر حوله من منشورات بمختلف أصنافها. فمن خلال بحثنا عن مادة: (التعلم مدى الحياة  Life long Learning) بالموقع الإليكتروني العالمي (www.questia.com ) المتخصص في إحصاء كافة المنشورات الصادرة عن دور النشر الغربية، حصلنا بتاريخ فاتح دجنبر 2018،على 31328 منشور، منها 5222 كتابا، و2758 دورية أكاديمية، و3219 مجلة متخصصة، و10125 جريدة، وأربع موسوعات، باللغة الإنجليزية فقط !!!…

     ولعل هذا الكم الهائل من المنشورات الصادرة في عصرنا الحاضر حول (التعلم مدى الحياة)، جعل هذا المفهوم يحتل الصدارة في اهتمامات الباحثين، لأسباب نجملها فيما يلي:

     التحولات الهائلة التي شهدها النصف الثاني من القرن العشرين والتي لازالت مستمر إلى اليوم وستظل كذلك بفعل التطورات التكنولوجية التي تزداد وثيرتها سرعة، إلى درجة يكاد معها المتخصصون يعجزون عن التنبئ بمآلاتها المتوسطة المدى؛  وأهم ما ميز هذه التحولات:

     الانتقال من الصناعات الميكانيكية، إلى الصناعات الإليكترونية الدقيقة، مما نتج عنه حصول طفرات في المعرفة العلمية في شقيها النظري والتطبيقي/التكنولوجي، فانتقل العالم من اقتصاد الثروات الطبيعية المتحكم فيه من طرف دول “قُطْرية”، إلى اقتصاد المعرفة والتقنيات الدقيقة المعتمدة على ثروة (الكفايات Compétences  ) واقتصاد السوق “المفتوح” وهيمنة الشركات المتعددة الجنسية والعملاقة…

      وقد أثرت هذه التحولات السريعة على كافة جوانب الحياة المعاصرة للإنسان، حيث أصبحت جل مواقع الإنتاج الأساسية تتطلب مهارات دقيقة وكفايات مهنية عالية الجودة، مما جعل كثيرا من المهن التقليدية مهددة بالانقراض، كما اضطرت جل المقاولات لإدخال تغييرات على عمليات ووسائل الإنتاج بما يتناسب مع التقنيات والأساليب المستجدة في الميدان، لكسب رهان التنافس الشرس وضمان الاستمرارية في السوق… ولعل هذا ما دعا إلى الاهتمام المتزايد بمفهوم (التعلم مدى الحياة) لمواكبة هذا السيل الجارف من التغيرات التي أضحت تسيطر على حياتنا بكل مستوياتها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية والتربوية…

      وفي هذا السياق، بدأت الهيئات والمنظمات الدولية، تدريجيا، تقدم دعما لمبادرات (التعلم مدى الحياة) في العقود الثلاثة الأخيرة من القرن العشرين، وفي سنة 2008 عقدت منظمة اليونيسكو الملتقى الأول لتشكيل “اللجنة العالمية للتعلم مدى الحياة”.

     وعلى المستوى الوطني عرض تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي سنة 2013 حول (التعلم مدى الحياة) لمجموعة من القضايا الهامة في هذا الموضوع، نذكر منها:

     ملاحظة تدني المستوى التعليمي والثقافي لشرائح واسعة من المواطنين في بلدنا، واستمرار تفشي آفة الأمية ، وضعف تأهيل اليد العاملة المغربية، وهزالة تكوينها الأساسي والمستمر، مما يعرقل نمو اقتصادنا الوطني. وخير دليل على ذلك يتمثل في كون العامل الأكثر تشجيعا لجلب الاستثمارات الأجنبية لبلادنا يتمثل في تدني تكلفة اليد العاملة،(هـ2) ولولاه لرحل هؤلاء المستثمرون إلى حيث توجد الموارد البشرية المؤهلة ثقافيا وعلميا وتكنولوجيا… وهذا ما يدعونا بإلحاح إلى الاهتمام المكثف بالتعليم مدى الحياه، بمختلف تجلياته، ابتداء من محاربة الأمية، وانتهاء بالتكوين المستمر لكل الفئات المنتجة في كافة القطاعات، ومرورا بتجديد المؤسسات التعليمية المغربية بكافة مستوياتها، لتصبح قادرة على تعلم وتعليم النجاح لأبنائنا، لتمكينهم من مواكبة الركب العالمي في مجالات العلم والمعرفة والتقنية…

III – إسهام المفهوم في الرقي بمدارك المنعتقين من الأمية:

     إذا وسعنا مفهوم “الأمية” ليتجاوز مستوى عدم القدرة على فك رموز الكتابة والقراءة (الأمية الأبجدية)، يمكننا اعتبارها شاملة لكل الناس بدون استثناء، إذ يكاد لا يخلو شخص منا من المعاناة من واحد أو أكثر من الأميات الآتية: الأمية الإليكترونية والمعلوماتية، والأمية في مجال التواصل باللغات الحية، والأمية الثقافية، والأمية العلمية المرتبطة بتخصصات بعينها من مختلف حقول العلوم الدقيقة أو الإنسانية….الأمية بهذا المعنى الشاسع نسبية كمّاَ وكيفا، لأن نقيضها المتمثل في “المعرفة” و”العلم” نسبيان أيضا. والأخطر من ذلك، هو اقتناع الشخص أنه بمجرد تخصصه في نمط معرفي أو مهنة ما – ولو بعد عقود -؛ قد تجاوز إلى غير رجعة أميته وجهله بها، والحال أنه يستعيد شيئا فشيئا أميته السابقة لأنه لا يجدد معارفه وخبراته بتكوين مستمر مدى الحياة، فكم من أستاذ أومحام أوطبيب – وغيرهم في مجتمعنا- يعاني أمية مستفحلة بخصوص مستجدات تخصصه، مما يُفقده كفاياته المهنية التي يُفترض فيها التجديد ومواكبة آخر التطورات في الميدان. وما التجديد والمواكبة في هذا المجال سوى شكل من أشكال “التعلم مدى الحياة”، أصبح أكثر ضرورة من ذي قبل مع ازدياد تشعب العلوم والمهن وتعقدها وتجدد وسائل وأساليب الإنتاج المعاصرة، في مقابل بطء الترتيبات التي علينا تهيئتها، ممثلة في التحولات الواجب توفرها على المستويات الفكرية/الثقافية، والتعليمية/التعلمية والتنظيمية، والاجتماعية والسياسية (هـ3).

     ولعل أهم ما يجب التركيز عليه بخصوص إسهام مفهوم “التعلم مدى الحياة” في الرقي بمدارك المنعتقين من الأمية، هو تفادي الأساليب التعليمية/التعلمية التقليدية التي أدت إلى استفحال ظواهر الأمية والهدر المدرسي وتدني المستوى التعليمي ببلادنا. ففي انتظار إصلاح أهم أعطاب منظومتنا التربوية، علينا أن لا نكرر أخطاءها في تعاملنا مع المنعتقين من الأمية.

     حيث يكاد يجمع المختصون التربويون، وكذا تقارير أغلب المنظمات الوطنية التابعة للدولة والمستقلة عنها، على طغيان الطابع التقليدي على مؤسساتنا التعليمية بمختلف مستوياتها، وسيادة التلقين وشحن أذهان المتعلمين بمعلومات خارج السياق السسوسيوقتصادي والثقافي لبلدنا، مما يُنتج – في أحسن الأحوال- متعلمين غير قادرين على تنمية ذواتهم ومجتمعاتهم… بينما أغلب النظريات التربوية المعاصرة في مجالي البيداغوجيا والديداكتيك، تؤكد على ضرورة الترسيخ التدريجي لمبدأي الاستقلالية، وتحمل المسؤولية، ( L’autonomie et la responsabilité) لدى المتعلمين، أثناء مساعدتهم في بناء تعلماتهم، في إطار فلسفة التعلم الوظيفي، الذي يمكنهم من الاعتماد التدريجي على أنفسهم للاستقلال عن “معلميهم” و”أساتذتهم”، فيستمرون في الإبداع  و”التعلم مدى الحياة”. ولعل أقرب مرادف لهذا المفهوم الأخير، هو مفهوم “تعلم التعلم”         ( Apprendre à apprendre) الذي يوجهنا نحو تعليم التلاميذ كيف يتعلمون، بدل إمدادهم بمعارف جاهزة (هـ 4)؛ اقتداءً بالمثل الصيني الشهير: ( علمني كيف أصطاد السمك، أفضل من أن تعطيني سمكة كل يوم).

     وسيرا على هذا المنوال، يستحسن القطع مع الأساليب التقليدية في تعاملنا مع المنعتقين من الأمية، لكي لا يرتدوا لها. ولتحقيق ذلك يجب اعتماد مقاربات تساهم في إعادة الثقة لنفوس هؤلاء المتحررين من الأمية وتهييئهم للاندماج في محيطهم السوسيواقتصادي، وأهمها:

المقاربة الوظيفية: ونلخصها في الاقتصار على تكوين على المقاس(هـ 5) الأنشطة التعليمية/التعلمية التي يلمس فيها المستهدفون والمستهدفات قيمة مضافة تفيدهم في حياتهم الاجتماعية، وتسهل اندماجهم في سوق الشغل القريب من محيطهم الاجتماعي، باعتبار تعلم مبادئ القراءة والكتابة والحساب ماهي سوى الخطوات الأولى للارتقاء بمدارك المنعتقين من الأمية، يتلوها ترسيخ مجموعة من الكفايات التواصلية، والاطلاع على أهم المعارف العلمية والأدبية التنويرية التي تمكنهم من اكتساب ثقافة منفتحة على العالم المعاصر، ومنسجمة مع قيمنا الحضارية المتسامحة، ليتسلحوا بحد أدنى من الوعي النقدي الذي يمكنهم من الانطلاق إلى أبعد مدى في التجاه تنمية ذواتهم ومجتمعهم في نفس الآن.

المقاربة الفارقية: وننطلق فيها من أهم ما جاء به علم النفس الفارقي، من كون ما يفرق الأشخاص فيما بينهم أكثر مما يجعلهم متشابهين، من حيث مكتسباتهم السابقة، وأساليب تعلمهم، ووثيرتها، ومستوى ذكائهم، وغيرها… وتزداد الفوارق شساعة لدى المنعتقين من الأمية بسبب التفاوت العمري فيما بينهم، مما يدعونا لعدم التعامل معهم كجماعة منسجمة، وذلك لنتمكن من تلبية جاجياتهم المختلفة، والتخطيط لأنشطة وظيفية يحققون فيها ذواتهم جميعا. ولعل التقنيات العديدة التي تقترحها البيداغوجيا الفارقية كفيلة بتحقيق هذا الهدف في حالة توفر شروط الاشتغال بها…

المقاربة الحقوقية: وتلخص في توعية المستهدفين بواجباتهم وحقوقهم، واستحضار هذا الوعي في جل الأنشطة المقدمة لهم، خاصة حينما نلمس حاجتهم له، إن كانوا ضحية حيف ألم بهم نتيجة جهلهم بالقانون أو انتمائهم لفئات يسهل استغلالها كخادمات البيوت، أو الأطفال الذين يشتغلون قبل بلوغهم السن القانونية للعمل، أو غيرها من الحالات…  

مقاربة النوع: وتهدف إلى إنصاف الفتيات والنساء اللائي يتعرضن للتمييز بسبب جنسهن، وترسيخ فكرة مساواة الجنسين ذكورا وإناثا في الحقوق والواجيات كما ينص على ذلك دستور 2011 والمواثيق الدولية التي صادق عليها المغرب بهذا الخصوص.

المقاربة التشاركية: وتقتضي إشراك المستهدفين في التخطيط والتدبير لكافة الأنشطة التي تُقترح عليهم، بدءا بتعبيرهم عن حاجياتهم وانتظاراتهم، ومرورا بالتقويمات التشخيصية والتكوينية التي يساهمون فيها، والأنشطة التي ينخرطون فيها، والتقويمات الختامية التي تأخذ وجهات نظرهم، ومستويات رضاهم بعين الاعتبار.

المقاربة النسقية: وتتطلب النظر إلى عملية إدماج المنعتقين والمنعتقات من الأمية في محيطهم السوسيواقتصادي ، بشكل نسقي، كبنية مركبة لا نفصل جانبها التعليمي/التعلمي عن باقي الجوانب الحقوقية والثقافية والسياسية والاقتصادية… لأن كل جانب يتعزز بالآخر ويحتاج له. أما عمليات تجزيئها فلا نلجأ لها إلا للضرورة المنهجية وفق سلم الأولويات الذي قد تفرزه حاجيات المستهدفين، فنبدأ بمقاربة بعينها ونؤجل أخرى لحين آخر…. 

خلاصة:

     يبدو مما سبق أن الفهم السليم للتعلم مدى الحياة، يقتضي منا الانتقال من المعنى التقليدي لتعلم المعارف باعتبارها معلومات تنقل من معلم إلى متعلم، إلى معنى حديث يتطلب إسهام المتعلم في بناء تعلماته بنفسه، بمساعدة معلمه، مع الحرص على الاستقلالية التدريجية للمتعلم في بناء تعلماته، لتستمر عملية بناء التعلمات هاته مدى الحياة.

     ولعل هذا المفهوم الجديد للتعلم مدى الحياة، إن هيئت له شروط تحققه؛ كفيل بمنع ارتداد المنعتقين من الأمية لنقطة الصفر التي انطلقوا منها، وذلك بترسيخ ثقتهم في إمكانية استمرارهم في بناء تعلماتهم بأنفسهم، طيلة حياتهم، وصقل مواهبهم باستمرار، وبلورة كفاياتهم، مما يمكنهم من التطوير المستمر لشخصياتهم، والإسهام في تنمية وتطوير مستوى عيش أسرهم ومجتمعهم.

الهوامش:

1 ـ  منصف عبد الحق، “الحداثة الأنوارية في التربية”  ضمن (التربية والحداثة) كتاب جماعي، منشورات عالم التربية، مطبعة النجاح الجديدة، عدد 13 الدار البيضاء 2003. ص. 23

2 ـ تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي: ( التعلم مدى الحياة، طموح مغربي ) صدر سنة 2013 ، ونشر عدة منابر إعلامية وأهمها موقع المؤسسة التي أصدرته: www.cese.ma  . وقد جاء في ديباجته المعنونة  ب: رهانات التعلم مدى الحية: (يأتي إعداد سياسة تسعى إلى إقرار مبدأ التعلم مدى الحياة استجابة لمجموعة من الرهانات الوطنية الكبرى والنوعية. فعلى المستوى الاقتصادي، مازالت الاستثمارات الأجنبية المباشرة مرتبطة في أغلبها بالكلفة المتدنية لليد العاملة. ويظل توسيعها لتشمل أنشطة ذات قيمة مضافة عالية رهينا بتطوير القدرات التكنولوجية، ومستوى التكوين القبلي للمواطنين…) ص.11.

3 ـ للتوسع في هذا التحليل راجع: محسن مصطفى، “التربية والديموقراطية وتحديات التنمية والتحديث في الوطن العربي. ”  ضمن (التربية والحداثة) كتاب جماعي، منشورات عالم التربية، مطبعة النجاح الجديدة، عدد 13 الدار البيضاء 2003. ص. 57

4 ـ (… إن واجب المدرسة اليوم يكمن في تنظيم ذهنية المتعلمين وليس في حشوها بالمعلومات والمعارف التي لا تُفيدهم في عصر التطور والتغير السريع، بفعل التقدم العلمي والتطور التكنولوجي، والانفجار المعرفي المتزايد. إن التعلم الذاتي وحده يمكن المتعلمين من البحث وانتقاء المعلومات والمعارف التي تُشبع حاجاتهم.) أوزي أحمد، المعجم الموسوعي لعلوم التربية، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، 2006، مادة “تعلم التعلم” ( Apprendre à apprendre) ص.88

5 ـ بونميش إدريس، “التكوين على المقاس في إطار التربية المستديمة” ضمن: (التكوين والتكوين المستمر) مؤلف جماعي، منشورات عالم التربية، مطبعة النجاح الجديدة، عدد مزدوج 9/10 الدار البيضاء بدون تاريخ. ص. 154

 

المراجع المعتمدة:

  • أوزي أحمد، المعجم الموسوعي لعلوم التربية، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، 2006
  • بونميش إدريس، “التكوين على المقاس في إطار التربية المستديمة” ضمن: (التكوين والتكوين المستمر) مؤلف جماعي، منشورات عالم التربية، مطبعة النجاح الجديدة، عدد مزدوج 9/10 الدار البيضاء بدون تاريخ.
  • تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي: ( التعلم مدى الحياة، طموح مغربي ) صدر سنة 2013 ، ونشر عدة منابر إعلامية عديدة وأهمها موقع المؤسسة التي أصدرته: cese.ma .
  • محسن مصطفى، “التربية والديموقراطية وتحديات التنمية والتحديث في الوطن العربي. ” ضمن (التربية والحداثة) كتاب جماعي، منشورات عالم التربية، مطبعة النجاح الجديدة، عدد 13 الدار البيضاء 2003.
  • منصف عبد الحق، “الحداثة الأنوارية في التربية” ضمن (التربية والحداثة) كتاب جماعي، منشورات عالم التربية، مطبعة النجاح الجديدة، عدد 13 الدار البيضاء 2003.
  • الموقع الإليكتروني العالمي (questia.com ) المتخصص في إحصاء كافة المنشورات الصادرة عن دور النشر الغربية.
عزيز بوستا

أستـــاذ بــاحث بالمركز الجــهوي لمــهن التــربية والتــكوين بطــــنجة حـــاصل علــى: دكــــتوراه فـــي عـــلوم الـــتربية، ودبـــلوم الــــــدراسات العــــليا فـــي الفلســـفة. شارك في أنشطة متنوعة (علمية وثقافية عامة) في إطار تظاهرات وندوات وموائد مستديرة، من تنظيم جمعيات ومنظمات وطنية ودولية، ولقاءات إذاعية وإعلامية مختلفة... ساهم فــي التــكوين الأســاس والمســـتمر للمـــدرسين وأطـــر الإدارة التــربوية، بكــافة أســلاك التعــليم المــدرسي، فــي مواضيع ذات علاقة بالتربية والتكوين. له مقالات متعددة في الفلسفة وعلوم التربية، بمجلات وجرائد ومواقع إلكترونية مغربية وعربية. (يعاد نشر بعضها بهذا الموقع).

اخر المقالات
‎اضف رد
الرمز الامني اضغط علي الصورة لتحديث الرمز الامني .